طلاقة القدرة في الكون - لا تستهينوا بالخلق
وهنا حكمة بالغة .. أن الله سبحانه وتعالى يريد أن يخبرنا ألا نستهين بالمخلوقات الدقيقة التي خلقها لصغر حجمها وضآلتها .. بل أنه كلما زادت دقة المخلوق كان بأسه شديدا .. وكلما زادت ضخامة المخلوق فليس هذا بالضرورة دليلا على القوة .. وإذا أخذنا بهذه النظرية .. وعدنا إلى بدابة الخلق نجد مثلا أن الحيوانات الضخمة التي عاشت في القرون الأولى على الأرض كالديناصور مثلا قد هلكت وانقرضت ولو نستطع أن تعيش العصر الجليدي الذي ساد الكرة الأرضية .. هذه الحيوانات المرعبة التي كانت تزلزل الأرض .. لم تستطع أن تتغلب على الطبيعة .. بينما البرغوث والنملة مثلا قد عبرا هذه العصور حتى عصرنا هذا ويقول العلماء وهم يفسرون هذه الظاهرة .. إن الحيوانات الضخمة في أجسامها كانت تملك عقولا صغيرة .. لم تمكنها من التحايل على البيئة ولذلك هلكت .. هذا هو تفسير العلم .. ولكن التفسير الإيماني يقول .. أن الله سبحانه وتعالى يريد أن يخبرنا أن البقاء لا يخضع لعنصر القوة .. وإنما يخضع لعنصر القدرة وأن الأشياء القوية .. أو ذات القوة الهائلة التي تظن أنها ستسود الأرض إلى الأبد .. تأتي قدرة الله سبحانه وتعالى فتهلكها .. بينما تبقى الأشياء الصغيرة التي لا ترى بالعين المجردة .. فالفيروس مثلا الذي لا يستطيع أحد رؤيته حتى الآن لتناهي حجمه في الدقة .. أقوى من الفيل والأسد وعقل الإنسان وكل قدرات المخلوقات على الأرض .. فهو يستطيع أن يقضي على أي من هؤلاء , فالكل يقف عاجزا أمامه وهو يعيش ملايين السنين مع ضآلة حجمه وتناهيه في الصغر .. وهذه الفيروسات تستطيع أن تسلب الحياة من شعب بأسره .. ومن أمة تختال على الناس بقوتها .. فيسلط الله سبحانه وتعالى هذه الفيروسات التي لا ترى وتنتشر بين أفراد هذه الأمة كوباء يفنيها .. هنا طلاقة القدرة التي تعطي ذلك الشيء المتناهي في الصغر قوة هائلة تجعله يهلك أقوى الأقوياء في الأرض .. دون أن يستطيع القوي أن يفعل شيئا .. ويأتي ذلك لنؤمن بأن القوة هي لله فلا نغتر بقوتنا الظاهرية .. ونحسب أنه لا يوجد في الأرض من يغلبنا .. وأدق مخلوقات الله تستطيع أن تسلبنا الحياة في ساعات .. وفي ذلك قضاء على الغرور في النفس البشرية وتثبيت للإيمان بأنها بدون قوة الله وتأييده لا تساوي شيئا على أن الله سبحانه وتعالى .. قد أعطانا كل هذه لحكمة بالغة .. وأوجد لنا ما يثبت طلاقة قدرته علما وعملا .. وقولا وفعلا .. حتى يمضي موكب الإيمان في الحياة في نفوس مطمئنة إلى قوة الله .. لا تزلزلها الأحداث .. ولا تشقيها الأسباب والنقطة الأولى في الحكمة البالغة في طلاقة القدرة هي إيمان بأن الله موجود إذا عجزت الأسباب .. وهذا الإيمان هو الذي يبقي الإنسان المؤمن مطمئنا إلى أن الله سبحانه وتعالى لن يتخلى عنه مهما كانت الأسباب تقول ذلك .. وإذا كانت الدول المادية التي لم تدخل فيها الإيمان تعاني من شيء وهو الإحساس بالخوف واليأس من الحياة .. ورغم كل ما في هذه الدول من تقدم مادي .. وأمن وأمان .. فإن كل فرد فيها يعيش في قلق يمزقه .. لماذا ؟ .. لأن كل إنسان مادي يعبد الأسباب .. دون المسبب .. ويعتقد في القدرة البشرية دون قدرة الله سبحانه وتعالى فإذا فصل من وظيفته لا يقول إذا أغلق الله باب للرزق أمامي فسيفتح لي عدة أبواب .. ولا يقول إن الذي آمنت به وعبدته لن يتخلى عني أبدا .. فذلك منطق الإيمان .. ولكن منطق المادية يجعله يرى المستقبل أسود .. ويحس أن الدنيا أغلقت في وجهه .. وأنه لن يجد بابا للرزق .. وأنه قد انتهى تماما .. ومن هنا فهو بيأسه من رحمة الله يلجأ في كثير من الأحيان للانتحار ويصاب بالجنون .. لماذا ؟ .. لأنه يعتقد أن البشر الذين منعه هو الذي يملك كل الأسباب .. وأن الله سبحانه وتعالى لا يملك شيئا وإذا مرض الإنسان المادي .. بمرض ميئوس من شفائه .. فقد الأمل في المستقبل .. ولم يقل إذا عجزت الأسباب فإن رحمة الله لن تتخلى عن وسيجد لي سبيلا للشفاء .. أو يقول أن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يشفيني حتى ولو عجزت الأسباب .. بل هو في عبادته للأسباب يتخذها إلها , فإذا عجزت الأسباب فإن إلهه قد تخلى عنه .. ولم يعد أمامه إلا مصير أسود