السعادة الداخلية
السعادة! يا لها من كلمة حلوة ومبهجة.. مسرة ومفرحة.. أنشودة كل الأمم وضالة كل الشعوب؛ يتهافت عليها الناس في كل مكان ليسمعوا عنها، ويحصلوا عليها بشتى أنواع الطرق والوسائل، ولكنهم اختلفوا في تحديد مصدرها.
ظن بعضهم أنها تأتي بواسطة المال فانجرفوا وراءه، وتولعوا في حبه، فاستولى على قلوبهم وأفكارهم حتى أصبحت حياتهم سلسلة متواصلة من النشاط المادي في كل الحقول والميادين. استخدموا جميع طاقاتهم وإمكاناتهم للوصول إلى السعادة بواسطة الذهب والفضة ولكنهم لم يفلحوا.. لأنه كم من أغنياء العالم.. أصحاب الثروات الطائلة و "الفيلات" الفخمة، هم أتعس التعساء وأشقى الأشقياء.
وآخرون فتشوا عن السعادة عن طريق الشهوات، والملذات، والأفراح العالمية الزائلة.. ارتادوا أندية الخلاعة ودور اللهو.. جلسوا ساعات طويلة إلى الطاولة الخضراء يقامرون بأموالهم وحياتهم؛ قرعوا أبواب الحانات وطلبوا الشراب الممزوج، وترنحوا بالخمر والمسكر لعلهم يجدون ضالتهم المنشودة.. ولكن يا للأسف.. وجدوا نفوسهم في حالة مخزية ومخجلة، مملوءة من الخوف والقلق والاضطراب..
جميع هؤلاء هم طلاب السعادة ولكنهم أخطأوا الهدف، يدورون في حلقة فارغة؛ لأن السعادة الحقيقية لا يمكن أن يحصل عليها الإنسان بالأمور المادية والأرضية العالمية
لكي نصل إلى شعور السعادة والرضا … فإننا نحتاج إلى الشعور بأنفسنا :
- من نحن ؟ ما هي قيمنا ؟ ما هي طبيعة صلتنا بالآخرين ؟ (أسرة، أصدقاء، زملاء عمل..)
- أن ندرك مشاعرنا
- أن نكون على صلة بأجسامنا (مستوى وجودنا المادي والعقلي)
- أن نكون على صلة بالطبيعة من حولنا (اكتشاف الجانب الروحي في الطبيعة الإنسانية)
وبتمازج الجوانب الأربعة (الوجدانية والعقلية والجسمية والروحية) نصل حقاً إلى السعادة والرضا عن النفس
يقول أحد دارسي التأمل الروحي: " إن جسدنا هذا لهو مثل بطارية كهربائية فيها طاقة غامضة, لكنها خامدة, وحين لا يتم تشغيل هذه البطارية بصورة صحيحة فهي إما أن تميع ثم تتلاشى , أو تتصلب وتعبر عن نفسها بطريقة شاذة ".
إن الإنسان عندما يبدأ بتعلم شيء جديد كاللغة أو قيادة السيارة مثلاً فهو يحتاج إلى الاهتمام بالتفاصيل لكي يستطيع التعلم ( يستخدم إرادته ) ولكن ما إن يتعلم حتى يصبح الأمر كله وكأنه يتم بدون تدخل الإرادة فكأن هناك إنسانا آلياً في داخلنا يتولى تنفيذ الأمور ويعيش بدلاً عنا.
إن التحديات في حياة الإنسان تجعل إرادته معافاة والإرادة تجعلنا نشعر بوعينا , لا شيء يدمر الإنسان مثل الانعتاق من المطالب الخارجية وهنا يمكننا أن نتذكر شخصاً ظل يشتغل طوال حياته ويحلم بالاستراحة في كوخ ريفي له حديقة من الورود وبعد تقاعده تمّ له كل شيء فمات.
وفي السويد تزداد نسبة الانتحار بين الشباب بسبب الحياة المريحة التي تخلو من التحديات وتعطل إرادتهم.
الوعي عند الإنسان في الحالة الطبيعية يقفز فوق الأشياء دون أن يشعر بها ( الإنسان مسرع إلى الأمام على الدوام ) والإنسان الذي يمشي بسرعة لا يرى الأشياء على جانبي الطريق وكثيراً ما يعبر بمنظر طبيعي أخّاذ دون أن يشعر بجماله فماذا لو دربنا أحاسيسنا على البطء عندما لا تكون هناك حاجة إلى السرعة.
إن تعلم هذه الحيلة يجعلنا نستمتع بما نشاهد ونسمع.
أرجو أن أكون وفقت ولو بذكر جزء بسيط من مقاييس السعادة ومشاركتها معكم ومعرفة آرائكم