ـ الصبي والشمس :
هبطت الشمس في عز الظهيرة وانطرح قرصها يتدحرج على الأرض ، اقترب منها صبي ، سألها أن تمنحه جذوة ، قالت وهي تتأمل أصابعه النحيلة :
ـ أخاف على أصابعك أن تتقصف .
تقدم الصبي في تصميم ، امتدت أصابعه ، ازدادت صلابة واشتعالاً ونماء ولم تتقصف .
2 ـ التحقيق :
امتلأ وجه المحقق غيظاً ، ضرب الطاولة والأوراق التي أمامه في نزق فاحمرت يده ،
زمجر في حنق :
ـ للمرة السابعة نرسل في طلبك ، لنؤكد لك أننا سنجد زوجكِ في النهاية لا محالة وما دام الأمر كذلك فالأفضل لكِ وله ولأولادكما أن تخبرينا عن مكانه .
ودق الطاولة بيده الثانية و ازدادت ملامحه كآبة .
.. لم ترد الزوجة ..
ارتسمت على وجهها ابتسامة تحد صغيرة وتمتمت حين أبصرت ملامحه :
ـ ترى كيف ستغدو تلك السحنة حين يرسل في طلبي للمرة المائة ؟
3 ـ ستمطر :
تطلع الولد الأول إلى السماء ثم نظر إلى رفيقه وصاح في فرح :
ـ ستمطر بعد قليل .
ـ لا .
ـ ستمطر .
ـ لا ..
اشتد بينهما الجدل ثم اتفقا أن يحتكما إلى رأي أول عابر .
ـ سيدي الشيخ .. أيها الشيخ ..
توقف الرجل واقترب منه الولدان .
سأله الولد الأول :
ـ هل ستمطر السماء بعد قليل يا سيدي ؟
.. نظر إليهما الشيخ متبرماً وزعق في نفور :
ـ وما أدراني !!
ـ بل ستمطر .
هتف بها الولدان في صوت واحد .. و.. واندلق المطر .
4 ـ الحقيقة :
كانت شبابته تتحدث عن الشمس والأعراس المقبلة عندما طلعت من آخر الوادي .
اقتربت منه ثم توقفت .
هاله وجهها الممتقع وسأل :
ـ ما بك أيتها الصبية ؟
أطرقت رأسها وقالت في انكسار :
ـ أبحث عن ولد صغير .
ترك شبابته وسأل باهتمام :
ـ ولدك ؟؟
قالت :
ـ نعم .
سأل :
ـ وكيف حدث ذلك ومتى ؟؟
قالت في نبرة يُعشب فيها الحزن :
ـ تاه مني يوم أن هجمت الطائرات .
قال في استهجان :
ـ وكيف هان عليك أن تمضي وتتركيه ؟
قالت :
ـ لقد ضاع مني في الزحام .
.. نكش التراب وقال :
ـ أيتها المرأة غير جدير بفلذته من يهرب ويتركها زمن الشدة .
.. أنصتت باهتمام وأكملت :
ـ بحثت عنه كثيراً ، سألت عنه كل المطارح ، بكيت حتى نشفت دموعي .
حك رأسه وقال :
ـ السؤال وحده لا يؤدي إلى الحقيقة دائماً .
هتفت في لوعة :
ـ لم تسألني عن أوصافه يا سيدي حتى الآن .
هز رأسه .. قالت في رجاء :
ـ ساعدني يا سيدي إن كنت تعرف من أمره شيئاً ، وقاك الله شر عثرات الزمن .
أشار بإصبعه وقال :
ـ انظري أمامك يا ابنتي .
... تطلعت فلم ترَ غير السماء والسهول والبحر .
قالت :
ـ لا أرى غير السماء والسهول والبحر .
.. أشار بإصبعه في حركة دائرية وقال :
ـ تلفتي حولك .
.. تلفتت حولها فلم تبصر غير الأشجار والعصافير والشمس .
قالت :
ـ لا أرى غير الأشجار والعصافير و ....
... وقبل أن تكمل زعقت في الفضاء طائرة حربية سوداء ، و كان الوادي شرايين مشحونة بالخضرة والنشيد .
أرخى أدنيه وسألها :
ـ هل سمعتِ ؟
اقتربت وأجابت :
ـ نعم ..
قال :
ـ هل أبصرتِ ؟
توردت قسماتها وقالت :
ـ نعم ..
قال :
ـ أيتها المرأة لا تحزني .
وعادت شبابته تغني للشمس والأعراس الناهضة .
5 ـ الأطفال يصنعون العصافير :
قال الطفل الصغير لأمه وهو يتأمل أغصان الشجر :
ـ أمي لماذا اختفت العصافير ؟
.. نظرت إليه الأم في حنو وقالت :
ـ خوفاً من الأغراب .
ـ ولماذا تخاف العصافير من الأغراب ؟؟
أجابت أمه في حذر :
ـ لأنهم لا يحبون العصافير ..
.. وبعد تفكير سأل :
ـ ولماذا لا يحب الأغراب العصافير ؟؟
قالت أمه :
ـ لأنها تحسن الطيران والغناء والزقزقة .
نظر الطفل إلى الفضاء الواسع وسأل:
ـ ولماذا يكره الأغراب الزقزقة ؟؟
قالت :
ـ لأنها تذكرهم بالشمس .
سكت الطفل .. تأمل ما حوله وراح يحلم بعصافير لا يقدر عليها الأغراب .
* * *