صفاء الحب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى الحب والرومانسية والجمال والثقافة
 
الرئيسيةمنتدى الرياضةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كلهم أبنائى

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
صفاء الحب
Admin
صفاء الحب


المساهمات : 340
تاريخ التسجيل : 28/01/2009

كلهم أبنائى Empty
مُساهمةموضوع: كلهم أبنائى   كلهم أبنائى I_icon_minitimeالأربعاء فبراير 04, 2009 3:02 am

والشمس ترسل خيوطها الأولى تغادر باب بيتك .. لا تدري أين تقودك قدماك ، أين تصل بك الطريق ، يسكنك القهر ، الغصة قمم في داخلك ، يكاد رأسك ينشق ، يقولون إن من الأفضل إبلاغ الصليب الأحمر في مثل هذه الحالات، خاصة أنه لا يحمل بطاقة هوية ، صغير السن .

قبل انتصاف الليل كانت درباكاتهم تمزق قلب السكون ، بساطير ، زمجرات لا سلكي ، رطن ، ارتطامات أحذية ثقيلة ، طرقات ، يكاد الباب ينسحق تحت ضرباتهم ، تهب مفزوعاً إلى الحوش ، الكشافات تدمي عينيك ..

هراوات تلكز خاصرتيك ، كتفيك ، يرشقونك بكلمات تقطر سياطاً :

ـ أين الأولاد ؟

يندفعون صوب الأبواب ، يدفعونك ، يفلت منك توازنك ، يرفرف أمجد بين أيديهم كعصفور ابتعدت عنه الأشجار .

ـ ماذا تريدون ؟ إنه صغير ، لا يحمل هوية .

يزقونك ، يجرجرون "أمجد " يلقمونه الأرض ، صراخ ، خنجر مثلوم يحز شرايينك ، تركض خلفهم ، يدفعونك ، تنقلب على ظهرك ، رغو فوار يتكدس في الحلق.

ـ نحن في حالنا ، ليس لنا دعوى ، لا نحتك بأحد ، لا جيش ولا غيره .

تتوه منك الطرق والأبواب ، حيلتك للزمن ، ولد على رأس خمس بنات ، تتطلع فيه مئات المرات ، تضعه بين عينيك ، ترخي عليه جفونك ، هل يهمهم صليب أو غيره؟ المطلوب مطلوب ، لا بد من إبلاغ الصليب ، إبلاغ طوب الأرض إذا لزم الأمر ، لكن كيف الوصول إلى غزة ؟ وصول غزة اليوم أصعب من دخول جمل في ثقب إبرة .

المشكلة ليست في المشي ، ليست في انعدام السيارات ، المسافة من جباليا إلى غزة ليست بعيدة ، كثيراً ما قطعتها مشياً ، المشكلة أن الملاعين لا يتركون أحداً في حاله ابداً، اليوم إضراب ، يتصيدون المارة لرفع المتاريس ، إطفاء الإطارات ، إزاحة الحواجز ، وتمر ساعات النهار ثقيلة بطيئة وأنت لم تصل إلى مقصدك .

تأتيك فكرة ، لماذا لا تتلفن من العيادة ، ذلك أسرع وأجدى وأسلم .

صورة "أمجد" تسد عليك الطريق ، طول الوقت وأنت تطلب منه أن يظل في حاله، أنت صغير على المطاردة والرجم وتعب البال ، ماذا يمكن لباطن اليد أن تفعل في مواجهة حد السكين ؟؟ تعلم أنه يتظاهر بسماع كلامك .

كان يحاول أن يرضيك بتظاهره ، ترى أين ذهبوا به ؟ هل سلموه إلى أنصار مباشرة ، أم أبقوه في مركز الجيش طول الليل ؟

رجفة تدهمك ، تعلم تماماً ما يحدث في مركز الجيش ، قصة (هاني الشامي) لا تغادرك ، انتزعوه من بيته عصر يوم ، قالوا في روايتهم المسلوقة، روايتهم المعدة للتسويق أنه قاوم اعتقال ابنه الصغير ، ظلوا يضربونه وهو مقيد اليدين والرجلين على كل بوصة فيه بالهراوات وأسياخ الحديد أمام ابنه، يدعسون على صدره ووجهه حتى انطفأت في رئتيه الأنفاس ، غادر الضوء عينيه ، تشربت حيطان المركز نوافير دمه وفتافيت لحمه.



َ َ َ



تقترب من الساحة الموصلة للعيادة ، جمهرة ، أصوات ، صخب ، حشد ، يباغتك فزع، تنزلق فوق الشارع ، أصوات مشحونة بالغضب :

ـ يقولون أنهم وجدوا ثلاثة أولاد معصوبي الأعين ومقيدين من أطرافهم ، ألقاهم اليهود في بيارة عساف بعد أن كسروهم ،ولولا لطف ربك وعنايته ما بقي أحد حياً ، امرأة سمعت أنينا جنب السياج ، نادت الخلق ، لحقوا بهم على آخر نفس .

تندفع إلى غرفة المعالجة ، أجساد نحيلة غضة ممددة فوق النقالات ، أجساد ترشح دماً وطيناً وماء ، همهمات ، حشرجات ، أنين ، تيار بارد يثلجك دفعة واحدة ، صدرك يعلو ويهبط ، تغادرك صرخة متصدعة ، صرخة نازفة :

ـ أمجد ..

صوت الطبيب متسارعاً :

ـ لا بد من نقلهم إلى مستشفى الشفاء ، يحتاجون إلى عمليات نقل دم ، هناك كسور ونزيف.

تتدافع مجموعات من الشباب نحو السيارات التي تحمل الصبية ، يتكدسون داخلها ، يشمرون عن سواعدهم ، نقالات ، غابة من الأيدي ، الدم يعفر المكان ، ينقر عظامك ، تغيم عيناك ، ماء مالح يتخثر في فمك ، حرقة ، حيلتك للزمن ، تشبعه وصايا في الطالع والنازل، ذهاباً وإياباً ، تغمض عليه جفونك ، تغالط الحقيقة المختبئة داخلك ، الحجر أمام الدبابة ، باطن اليد وحد السكين .. تجاسر مرة ورد عليك :

ـ إنهم لا يتركون أحداً في حاله ، يتحرشون بكل الناس ، لا أحد يسلم من شرهم .

كلامه ما يزال يتفجر ساخناً في أعماقك .

القاعد والقائم سيان عندهم ، لا أحد ينجو من بلائهم ، لا يستثنون كبيراً أو صغيراً، ينغصون على الكل ، الابتعاد عن طريقهم لا يجدي ، دفن الرأس في التراب وماذا تفعل باطن اليد إزاء السكين يجعلهم يتمادون أكثر ، يطمعون في دمك ولحمك أكثر فأكثر ..

باطن الكف يمكنها أن تتحول إلى سيف يثلم حد السكين ، يكسره ، يهرسه إذا اكتست عزماً وصلابة ، الحجر حِصن للحمك ، المقلاع قلاع لدمك ، لدم الناس جميعاً .

هتافات خارج العيادة ، متاريس ، حجارة ، مقاليع ، قضبان حديد ، مواسير إسمنتية ، دخان ، مجموعات نساء ينقلن الحجارة في سلال ..

تتمنى لو تتشظى مقلاعاً ، حجراً في أيدي الشباب ، غضباً ينهمر على مركز الجيش.

وأنت تركب سيارة الإسعاف يهاجمك سؤال الطبيب :

ـ من منهم ابنك ؟

تصمت لثوان ، صور مشبوبة تسابق اندفاعة السيارة ، بدا صوتك معجوناً بالدم والطين وأنت تقول له :

ـ كلهم أبنائي .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://safaaelhob.hooxs.com
 
كلهم أبنائى
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
صفاء الحب :: الشعر والخواطر والإبداع القصصى :: الإبداع القصصى-
انتقل الى: