كانت شبابته تتحدث عن الشمس والأعراس المقبلة عندما طلعت من آخر الوادي ..
اقتربت منه ثم توقفت .
هاله وجهها الممتقع وسأل :
ـ ما بك أيتها الصبية ؟
أطرقت رأسها وقالت في انكسار :
ـ أبحث عن ولد صغير .
ترك شبابته وسأل باهتمام :
ـ ولدك ؟؟
قالت :
ـ نعم .
سأل :
ـ وكيف حدث ذلك ومتى ؟؟
قالت في نبرة يُعشب فيها الحزن :
ـ تاه مني يوم أن هجمت الطائرات على الناس .
قال في استهجان :
ـ وكيف هان عليك أن تمضي وتتركيه ؟
قالت :
ـ لقد ضاع مني في الزحام .
.. نكش التراب وقال :
ـ أيتها المرأة غير جدير بفلذته من يهرب ويتركها زمن الشدة .
.. أنصتت باهتمام وأكملت :
ـ بحثت عنه كثيراً ، سألت عليه في كل المطارح ، بكيت حتى نشفت دموعي .
حك رأسه وقال :
ـ السؤال وحده لا يؤدي إلى الحقيقة دائماً .
هتفت في لوعة :
ـ لم تسألني عن أوصافه يا سيدي حتى الآن .
هز رأسه .. وقالت في رجاء :
ـ ساعدني يا سيدي إن كنت تعرف من أمره شيئاً ، وقاك الله شرعثرات الزمن .
أشار بإصبعه وقال :
ـ انظري أمامك يا ابنتي .
... تطلعت فلم ترَ غير السماء والسهول والبحر .
قالت :
ـ لا أرى غير السماء والسهول والبحر .
.. أشار بإصبعه في حركة دائرية وقال :
ـ تلفتي حولك .
.. تلفتت حولها فلم تبصر غير الأشجار والعصافير والشمس .
قالت :
ـ لا أرى غير الأشجار والعصافير و ....
... وقبل أن تكمل زعقت في الفضاء طائرة حربية سوداء ، تبعتها على الفور طلقات مشحونة بالخضرة والشمس .
أرخى أدنيه وسألها :
ـ هل سمعتِ ؟
اقتربت وأجابت :
ـ نعم ..
قال :
ـ هل أبصرتِ ؟
توردت قسماتها وقالت :
ـ نعم ..
قال :
ـ أيتها المرأة لا تحزني وعادت شبابته تغني للشمس والخضرة .
ملحق :
الشمس كرة لا نهائية من الوهج اللامع ، يعشقها الأولاد ، يأوون إليها ويحتفلون بها في مهرجاناتهم وعندما تحاصر الحواكير بالظلمة والطاعون يحملونها بين ضلوعهم متاريس وساحات شعبية وخنادق .
ملحق آخر :
العصافير كائنات صغيرة تنهض قبل الأولاد وتعاشر الشمس كلما خفقت أو هلت من وراء بواباتها ، تنتظر الأولاد تضاحكهم ، تعابثهم ويعابثونها فلا تزعل منهم وتظل تصدح وتصنع الضحكات ، وحينما تنعق في سماوات الأولاد والوطن طائرات الأعداء ، تختزن العصافير عبر مسامات جلدها النهر والكغكغات والثورة وتظل تصدح .